القائمة الرئيسية

الصفحات

الماء المهين في القرار المكين

تعالى في سورة المرسلات: ( ألم نخلقكم من ماء مهين (20) فجعلناه في قرار مكينٍ [21] إلى قدرٍ معلوم [22] فقدرنا فنعم القادرين ويلٌ يومئذ للمكذبين). [المرسلات : 23]
كان الناس قديماً يجهلون أهم الحقائق الكونية ولا يعرفون تفسيراً لكثير من الأمور التي تحيط بهم، فإذا بهم يتخبطون في تفسيرها، ويذكرون فيها أقوالاً تجعل القارئ لها اليوم يضحك منها؛ لبعدها عن الحقائق المكتشفة اليوم.
في ذلك الوقت نزل القرآن على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكشف الكثير من تلك الحقائق بأبسط عبارة وأدق وصف، وما هذا إلا شاهد من شواهد الإعجاز في هذه الرسالة المحمدية التي جاءت لهداية البشرية جمعاء.
ومن هذه الحقائق العلمية التي أخبر عنها الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ما يتعلق بخلق الإنسان ومروره بأطوار متتالية ومتلاحقة، وجاء وصف ذلك بدقة بالغة، وفي تلك الآيات القرآنية جاء وصف الرحم بأنه قرار مكين، قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ﴾ [المؤمنون: 13]، وفي هذا الوصف القرآني مطابقة لحقيقة علمية كشف عنها العلم الحديث بواسطة التقنيات الحديثة والأجهزة المتطورة.
وفي هذا البحث سنعرض الآيات التي أخبرت عن هذه الحقيقة العلمية، وندعم ذلك بالمعنى اللغوي لهذه الآيات وما ذكره المفسرون من أقوال تتعلق بتفسير هذه الآيات، ونبين المطابقة بين ما أخبرت عنه هذه الآيات وبين ما كشف عنه العلم الحديث؛ ليظهر وجه الإعجاز واضحاً جلياً في هذه الآيات القرآنية.
التفسير اللغوي للقرار المكين:
القرار في اللغة هو : من الاستقرار والثبات والسكون والهدوء، وهو المكان الذي يستقر فيه الماء، وقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ﴾ [البقرة: 36] أَي قَرار وثبوت، والقَرارة والقَرارُ ما قَرَّ فيه الماء،
وأما (مكين) فإنها تعني التمكن من الشيء تقول العرب : مَكُنَ مَكانَةً فهو مَكِينٌ والجمع مُكَناء وتَمَكَّنَ كَمَكُنَ.
الرؤية القرآنية :-
أربعة آيات كريمة تعتبر من الآيات الاعجازية العلمية في القرآن , نستخلص منها من النظرة الأولى عدة حقائق علمية تأخر العلم الحديث حوالي الألف عام عن القرآن لاكتشافها وهذه الحقائق هي :
 أن أصل خلق الإنسان هو الماء " وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء : 30]
جُعل الماء الذكري في القرار المكين جعلا, أي أن تلقيحه للبويضة الأنثوية هو - تناسل لزوجين.قال تعالى ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ- لا خلق جديد لان الخلق الاول كان من طين أما التناسل فمن الزوجين  " فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى [القيامة : 39], فكان استقرار الماء المهين في القرار المكين مع بويضته بعد أن لقحها " فجعلناه في.. "
  1. بينت الآية 20 سمة هذا الماء بإنه " مهينا " لسبب خروجه من الأعضاء التناسلية .وهي مخارج ماء البول .
  2. بينت الآية 21 مكان استقرار هذا الماء المهين" المني" يكون في القرار المكين.( رحم الأنثى) .ولم نجد في القرآن ذكرا لمصطلح الرحم , و لا ندري كيف تجرأ بعض المتكلمون في آيات الله بنسب اسم الرحمن والرحيم ونسب الرحمة عامة بمعناها إلى الرحم وقد سمعنا الكثير من ذلك ترديدا ولا زلنا , فكأني بهؤلاء قد ترجموا القرآن بمصطلحات الناس وللقرآن هيمنته في مجال الاصطلاح اللغوي والعلمي بما أعجز الناس وكفانا بمثال نذكره في شأن مصطلح " النور" و " الضياء" ليعلم هؤلاء أن استيراد مصطلحات العلماء لا تجوز على تفسير وفهم آيات القرآن فالعلم المعاصر قال بالضوء والقرآن قال بالضياء ففسر العلم قول القرآن ( أن الضوء مجموعة من الحزم الضوئية ) فقال القرآن مبكرا إنها الضياء لا الضوء, وقال العلم بانعكاس الضوء فقال القرآن معجزا هو " النور" وهكذا ... تكون هيمنة المصطلحات القرآنية ولا يجوز هيمنة المصطحات البشرية 
  3. الاشارة القرآنية في الآية 22 إلى مدة الحمل " القدر المعلوم إلى قدرٍ معلوم فقدرنا فنعم القادرين" المرسلات 20 -24)"ً.وهو القدر من 7 إلى 9 أشهر مع شذوذ القدر الأول وشياع قدر التسعة.
  4. الآية الأخيرة 23 كانت لأعظم بيان - لبيان الصانع العظيم لهذا الإعجاز- الله الخالق المُحاسب للمكذبين بهذا العلم الاعجازي في القرآن .
ستة حقائق علمية جاءت بإيجاز شديد , دعت العلماء للبحث و التأمل في ما تحتويه من الأسرار ,ودعت العامة من الناس للتصديق وتوعدت بالويل للمكذبين, فكانت مصطلحات القرآن أعجز للعلم ورجاله مما اصطلحوا عليه علميا :-
نظرة احصائية في الايات :
  1. وردت كلمة ماء مهين في القران ( مرتين فقط) في الايات [السجدة : 8][المرسلات : 20]
  2. أما كلمة " مهين " منفردة فجاءت 12 مرة لوصف عذاب جهنم "عذاب مهين" وجاءت مرة واحده لوصف الحلاف الكاذب بانه مهين[القلم : 10] ,وجاءت مرة واحدة تصف عذاب فرعون لبني اسرائيل بانه كان مهيما [الدخان : 30], وجاءت وصفا لموسى عليه السلام على لسان فرعون واصفا اياه بالمهين [الزخرف : 52], وجاءت مرة في وصف عذاب جن سليمان عليه السلام بينما كان ميتا [سبأ : 14].
  3. أما جملة " قرار مكين " فجاءت في القران (مرتين أيضا كمثل جملة ماء مهين) وفي ذات الايتين من السجدة والمرسلات.
  4. في حين ان كلمة مكين جاءت في القران 4 مرات فقط الاولى في وصف ملك مصر ليوسف عليه السلام [يوسف : 54],والثانية في وصف مكانة جبريل عليه السلام عند ربه [التكوير : 20], بينما الكلمتين الاخريين كانت في الدلالة على موضع الماء الذكري في رحم الانثى عند التناسل .
المصطلح القرآني :
 قال القرآن في وصف المني الذكري بانه "ماء مهين " وقال العلماء هو " المني الذكري " فكان اصطلاح القرآن أقوم وأدل على الأصل , فأصل المني هو ماء ومخرجه من مكان مهين , مدلولات القرآن اللغوية والعلمية كانت أشمل من مصطلح "المني".
قال القرآن " قرار مكين " فقال العلماء " الرحم" فكانت لبلاغة القرآن ما لم تكن لمصطلح العلم , فالتلاقح بتم ما بين ماء الذكر وبويضة الأنثى وليس بين مائين ذكري وانثي , ويجري ذلك باستقرار الماء الذكري في " قرار " مستقر وإقامة أي " مكين " مكان مظلم دافئ صالح للحياة " قال تعالى: ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (12) ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ) المؤمنون :12  , 
وهذا هو التكرار الثاني لمصطلح " القرار المكين" حيث جاء في آيتين فقط هما ( المؤمنون 12 و والمرسلات 21, ولم يكن التكرار لمجرد التكرار او التشابه فنلاحظ ان اختلافا في الآيتين كان لزيادة البيان, فقالت الاية 12 من المؤمنون " خلقنا الإنسان من سلالة من طين" وقالت الأخرى " ألم نخلقكم من ماء مهين" فنجد في الأولى تذكيرا بأول الخلق - من طين - وفي الثانية بيانا لتسلسل  الخلق الأول ( التناسل) من ماء مهين وذلك تفصيل البيان "تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ ... [يوسف : 111]
قال القرآن:- " فجعلناه " أي بمصطلح أصيل مفاده أن -الماء المهين صار مجعولا - تناسلا - وقال العلم ورجاله بمصطلح ضعيف - حمل الأنثى- و ما بين الجعل والحمل فروق في المعنى والمصطلح ففي حين نسب مصطلح القرآن ما في القرار إلى الله تعالى " خلقنا وجعلنا " فُعلم الصانع وقدرته , في حين نسب العلم الحمل إلى ذات المرأة فكانت حاملا.فقيل " حملت المرأة " أو " المرأة الحامل " مع إغفال للمصدر الأصل " الله" أو المصدر الوسيلة " الذكر".
المكين : هو المحصن , وكم من ضربات وهزات تتحملها المرأة الحامل فلا تؤثر في من هو داخل هذا القرار إنه غشاء جلدي متين سميك ومن دونه مياه ثقيله محمي بعظام الحوض القوية.يجري في داخله تكامل لآليات مختلفة متكاملة (التشريحية،و الهرمونية،و الميكانيكية)
إن من يدرس علم تشريح الرحم وموضعه المكين في أسفل بطن المرأة ، ويرى ذلك الوعاء ذا الجدار العريض السميك ثم يرى هذه الأربطة العريضة ، والأربطة المستديرة وهذه الأجزاء من البريتون ( الغشاء البريتوني ) التي تشده إلى المثانة والمستقيم ، وكلها تحفظ توازن الرحم ، وتشد أزره وتحميه من الميل أو السقوط ، تطول معه إذا ارتفع عند تقدم الحمل ، وتقصر إلى طولها الطبيعي تدريجياً بعد الولادة . ثم يعرف تكوين الحوض وعظامه تعريفاً جلياً مصداقاً لقوله تعالى : ( ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ 
أما في الزمن اللازم للحمل والولادة : قال القرآن " إلى قدر معلوم " والعلم هنا للجاعل أي الله وقال العلم ورجاله مدة الحمل تسعة أشهر وشذوذه سبعة أشهر. فكان قول القرآن هو الحق "فقدرنا فنعم القادرين" لبيان علم المُقدر سبحانه ولا شذوذ في الأمر بل إرادة الجاعل هي الأصل, وما الشذوذ إلا في القاعدة الناتجة عن تكرار العموم وخاصتها شذوذ.
أما قصة الخلق الأول وقصة التناسل فتصريف فهمها في قوله تعالى "{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ [الروم: 20] . والانتشار هو التناسل .
القرار المكين في ضوء الاكتشافات العملية الحديثة:
كشف العلم الحديث عن كثير من خصائص الرحم، ومنها أن الرحم يبلغ حجمه 2 ملم -في جسم المرأة البكر - ولكن حجمه يتضاعف مع الحمل حتى يصل إلى 1000ملم، وهذا النمو يفوق نمو كل الأورام السرطانية، والرحم هو في حقيقته جسم معلق يتحرك بمرونة ويتغير حجمه ووزن محتوياته في حدود دقيقة
والرحم عضو عضلي أجوف سميك الجدار يقع في منتصف جسم الأنثى فوق كل من المثانة والجزء العلوي من المهبل، كمثري الشكل في ثلثيه العلويين، واسطواني في ثلثه الأسفل، ويضيق قليلاً عند نهايته السفلى التي تمتد إلى الجزء العلوي من فراغ المهبل، مما يساعد على تثبيت الرحم في موضعه. ويتكون جدار الرحم من طبقات ثلاث:
خارجية رقيقة من مادة بريتونية، ووسطى ثخينة مكونة من مواد عضلية في ثلاث طبقات، وداخلية غشائية. ويحاط عنق الرحم والجزء العلوي من المهبل بنسيج خلوي ضام يربط الرحم بكل من المهبل والمثانة. كذلك يمسك بالرحم في موضعه مجموعة من الأربطة والصفاقات المتعددة التي تثبته في مكانه، وفي نفس الوقت تسمح له بالاتساع التدريجي في مراحل الحمل المتتالية ليتضاعف حجمه في مراحله المتأخرة إلى ثلاثة آلاف ضعف حجمه قبل الحمل، وعلى الرغم من ذلك يبقي الرحم مثبتاً بأربطته في مكانه من تجويف البطن. والرحم محمي كذلك بعظام الحوض وهي من أقوى أجزاء الهيكل العظمى للمرأة، وهو أيضاً مثبت تثبيتاً محكما بعضلات كل من الحوض والعجان.
وكشف العلم أن النطفة عند دخولها إلى الرحم فإنها تنغرس في الرحم، وتهيأ لها الظروف المناسبة حتى تتكاثر وتنمو وتتخلق حتى تصير إنساناً في أحسن تقويم، كل ذلك وهي تنعم بكل وسائل الأمن والراحة والاستقرار.
وجه الإعجاز:
وصف القرآن الكريم النطفة بأدق وصف، ووصف المكان الذي تستقر فيه النطفة بوصفين جامعين معبرين، قال سبحانه وتعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ﴾ [المؤمنون: 13]، فكلمة (قرار) في الآية الكريمة معناها الاستقرار والثبات والسكون والهدوء، وهي بذلك تشير إلى العلاقة بين الجنين والرحم، فالرحم مكان لاستقرار الجنين، وكذلك القرار هو مكان يستقر فيه الماء ويتجمع، وقد وصف القرآن الكريم المكان الذي تستقر فيه النطفة في الرحم بأنه قرار.
وقد كشف العلم الكثير من التفاصيل لهذا الوصف الجامع المعبر، فالرحم للنطفة ولمراحل الجنين اللاحقة سكن لمدة تسعة أشهر، وبالرغم من أن طبيعة الجسم أن يطرد أي جسم خارجي، فإن الرحم يأوي الجنين ويغذيه، وللرحم عضلات وأوعية رابطة تحمي الجنين داخله، ويستجيب الرحم لنمو الجنين ويتمدد بدرجة كبيرة ليتلاءم مع نموه فهو قرار له، ويحاط الجنين بعدة طبقات بعد السائل الأمينوسي وهي الغشاء الأمينوسي المندمج بالمشيمة، وطبقة العضلات السميكة للرحم ثم جدار البطن، وكل هذا يمد الجنين بمكان مناسب للاستقرار وللنمو الجيد، وهكذا فإن كلمة قرار قد استعملت في القرآن الكريم كل هذه المعاني وغيرها، متضمنة وظائف الرحم باعتباره مكاناً مناسباً لاستقرار الجنين وتمكينه من مواصلة نموه.
وقد جمع اللفظ (قرار) الذي وصف القرآن الكريم به الرحم كل الحقائق التي اكتشفها العلم، لبيان مناسبة الرحم لاستقرار الجنين، فهو لفظ معبر جامع.
أما (مكين) فمعناها: الشيء المتمكن والشيء الحريز والحصين، والثابت في المكان بحيث لا يقلع من مكانه، وهي بذلك تشير إلى العلاقة بين الرحم وجسم الأم، وموقعه المثالي لتخلق ونمو كائن جديد، ويقع الرحم في وسط الجسم، وفي مركز الحوض وهو محاط بالعظام والعضلات والأربطة التي تثبته بقوة في الجسم، بحيث لا يقلع من مكانه، وكأنه حصن حصين يحرز ما بداخله، أي أنه مكين كما قرر القرآن الكريم.
وهذا أيضاً لفظ جامع معبر عن كل المعاني التي تبين تمكن الرحم وتثبيته في جسم الأم، وهكذا فإن كل وصف يتضمن العلاقة بين الجنين والرحم وبين الرحم وجسم الأم، قد أدخل في معنى الكلمتين قرار ومكين اللتين تعبران تعبيراً تاماً عن حقيقة الرحم ووظائفه الدقيقة، ولا يفطن إلى أهمية هذين الوصفين إلا من له علم بحاجات نمو الجنين، وحاجات الرحم، لمواكبة هذا النمو حتى يخرج سليمًا(20). فكيف إذا علمنا أن هذا الإخبار جاء على لسان نبي أميّ قبل ألف وأربعمائة عام، إن هذا كله يشهد بأن هذا الكلام هو وحي أوحاه الخالق العليم إلى رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، ليكون ذلك شاهداً على رسالته الخاتمة إلى كل الناس في كل العصور إلى قيام الساعة.
والحمد لله الذي هدانا لهذا

تعليقات