
أنزل
الله تعالى كتابه وأودع فيه جملة من أسماءه وصفاته, وأخفى بعضاً منها ,
فاستأثر بها في علم الغيب عنده, ومن أحصى أسماء الله فعرف معناها وعمل
بمقتضاها دخل الجنة قالها صلى الله عليه وسلم " لله مائة اسم إلا واحد من أحصاها وعمل بها دخل الجنة"
ومنها
: اسم الله " الجبار" وهو اسم علم مطلق على الله تعالى سمى به الله سبحانه
ذاته وذكره في القرآن الكريم مرة واحدة وترا في أجمل باقة من باقات القران
وهي باقة " هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الحشر : 23]": ولم يتكرر هذا الاسم الا في هذه الباقة .
ترددت كلمة جبار ومشتقاتها في المصحف عشر مرات على الوجهه التالي :
- في الاية 22 من سورة المائدة جاءت على لسان اتباع موسى عليه السلام في وصف الفلسطينيين " قوم جبارين"
- في الاية 59 من سورة هود و 130 من سورة الشعراء جاء وصف قوم عاد "وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيد"
- الاية 15 من سورة ابراهيم جاءت في وصف خيبة المكذين للرسل " وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ"
- في الاية 14 و 32 من سورة مريم جاءت في وصف يحيى عليه السلام "وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً" وفي وصف عيسى عليه السلام " ولم يجعلني جبارا شقيا "
- في الاية 19 من سورة القصص جاءت على لسان رجل من قوم فرعون لموسى عليه السلام "إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ "
- في الاية 45 من سورة "ق" جاءت لمخاطبة محمد صلوات الله عليه "وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ "
- في الاية 23 من سورة الحشر جاء اسم الجبار للدلالة على الله تعالى اسما ووصف كمال " هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الحشر : 23]
لاحظنا أن هذا الاسم الحسن اقترن باسماءه الحسنى سبحانه في باقة كاملة رائعة "هُوَ
اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ
الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الحشر : 23]
من المقترنات في السياق مع اسم الحميد يتجلى لنا كل المعاني المتمثلة فيه بتدبر بسيط للاية الوتر المذكورة :
- المعنى الاول : جبار السماوات والارض على كل فاسق منكر لوجوده وفي المعنى ترهيب عظيم للكافرين. وهو جبر القوة قاهر الجبابرة طقولك جبار الجبارين على الباطل نصرة للحق ، فكل جبار وإن عظم فهو تحت قهر الله عز وجل وجبروته وفي يده وقبضته.
- الثاني: جبر الرحمة، فإنه سبحانه يجبر الضعيف بالغنى والقوة، ويجبر الكسير بالسلامة، ويجبر المنكسرة قلوبهم بإزالة كسرها، وإحلال الفرج والطمأنينة فيها، وما يحصل لهم من الثواب والعاقبة الحميدة إذا صبروا على ذلك من أجله.
- الثالث: جبر العلو فإنه سبحانه فوق خلقه عال عليهم، وهو مع علوه عليهم قريب منهم يسمع أقوالهم، ويرى أفعالهم، ويعلم ما توسوس به نفوسهم،.
التجبر
صفة كمال لله و صفة نقص عند البشر لأن كلمة جبار بدون ألف ولام التعريف
تستخدم كصفة من صفات الأفراد وفي هذه الحالة تكون بمعني القهر والطغيان ..
فهي في حق الإنسان صفة ذميمة ، ويتجلى ذلك في العديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى :( وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) هود 59
و توعد الله الجبابرة بالعذاب والنكال كما في قوله تعالى : ( وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) إبراهيم 15
وفي الحديث: (يخرج
عنق من النار يوم القيامة له عينان تـُبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق
يقول: إني وكلت بثلاث بكل جبار عنيد،وبكل من دعا مع الله إله
آخر،والمصورين.) "المصور هو صانع التماثيل والاوثان المقلد لصنع الله من الجماد لغرض العبادة والتفخيم .
المعني
الحسن لاسم الله الحسن " الجبار " كامن في معنى : انه لو لم يكن جبروت
الله حسنا لما كان هذا الاسم من الاسماء الحسنى وعليه نجد ان المعنى الاكمل
لهذا الاسم هو الله المُسخر بجبروته كل مخلوق علقه لمشيئته التي ارادها له
فهو المُسخر الشمس بعظمتها لمنفعة المخلوقات الارضية بكل ما فيها من منافع
لامجال لحصرها , بدأ من دفء الارض لصالح حياة المخلوقات مرورا بانعكاس
اشعتها عن القمر لتكون نورا بالليل , وهي حسبانا ....الخ , كذلك هو جبروت
الجبار في رفع السماء بلا عمد أنه بمعنى اخر اقرب لفهمنا " المسُخر بقوته
الجبارة كل عظيم تسخير منفعة "
إنه الجبروت الإلهي .. الذي أخضع اعظم المخلوقات لارادته .
إن
الجبروت الإلهي بكل معانيه صفة من صفات الكمال الإلهي المطلق .. ولا
يستعمل الحق جل وعلا جبروته في موضع إلا تحقيقا لخير أو دفعا لشر .. وهو
سبحانه مستحق للحمد على جبروته كما هو مستحق الحمد على رحمته ومغفرته وكرمه
.
- جاء في صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ:( يَأْخُذُ الْجَبَّارُ سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضَهُ بِيَدِهِ، وَقَبَضَ بِيَدِهِ، فَجَعَلَ يَقْبِضُهَا وَيَبْسُطُهَا، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْجَبَّارُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ ؟... )
- ( الجبار ) هو الجبروت، كمالك الملك والملكوت، يقول عليه الصلاة والسلام:سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة "
- (( الكبْرِياءُ ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما قذَفْتُهُ في النار "
( الجبار ) عند فئة الجبرية، وهي فئة عقيدتها فاسدة، تتصور أو تتوهم أن الله يُجبر
الله عبداً من عباده على معصية ثم يحاسبه عليها ؟ هذه عقيدة أهل الشرك، قال تعالى:
﴿
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا
آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ
فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ
إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
فلو
ألغينا حرية الاختيار في الإنسان لألغينا الثواب والعقاب، ألغينا الجنة
والنار، ألغينا حمل الأمانة، ألغينا التكليف، ألغينا كل شيء.﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾(الكهف:29 )﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾( سورة الإنسان )﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾(البقرة 148 )﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾(البقرة : 256 )
أصل
التكليف أنك مخير، ولو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ، ولو
أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو تركهم هملاً لكان عجز في القدرة، إن
الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً،
وأعطى على القليل كثيراً.
تروي الروايات أن شارب خمر جيء به إلى سيدنا عمر بن الخطاب، فقال: (أقيموا عليه الحد، فقال هذا العاصي: يا أمير المؤمنين، إن الله قدر عليّ ذلك، فقال: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال: ويحك يا هذا إن قضاء الله لن يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار ، أنت مخير.
إذاً: عقيدة الجبرية، وهي فئة زاغت عقيدتها، وتوهمت أن الله يجبر عباده على أفعالهم، ثم يحاسبهم عليها، وهذا شيء لا يُقبَل في حق إنسان.
تروي الروايات أن شارب خمر جيء به إلى سيدنا عمر بن الخطاب، فقال: (أقيموا عليه الحد، فقال هذا العاصي: يا أمير المؤمنين، إن الله قدر عليّ ذلك، فقال: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال: ويحك يا هذا إن قضاء الله لن يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار ، أنت مخير.
إذاً: عقيدة الجبرية، وهي فئة زاغت عقيدتها، وتوهمت أن الله يجبر عباده على أفعالهم، ثم يحاسبهم عليها، وهذا شيء لا يُقبَل في حق إنسان.
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقاتكم تسرنا شكرا لمروركم